أغنية موسى

Scripture Reference: Deuteronomy 31; 32:1–47

 

إذا كان لديكَ إلمامٌ بالموسيقى، فربَّما أنتَ تعرفُ لَحْنَ الهللويا الذي ألَّفَهُ الموسيقارُ الشهير جورج هاندل عامَ 1741. هذا اللحنُ منتشرٌ حولَ العالم اليوم لأنَّه يُخبِرُ عن ملكوتِ المسيحِ الآتي حين سيملُكُ إلى أبدِ الآبدين. هللويا!

كان جورج هاندل يقتربُ من الفصلِ الأخيرِ من حياتِه عندما ألَّفَ أوراتوريو المسيح، ويشكِّلُ لحْنُ الهللويا جُزءًا منه. في هذه المرحلة، كان هاندل يواجِهُ صعوباتٍ كثيرةً في حياتِه، فهو كان غارِقًا في الدُّيون، وأُصيبَ بسَكْتَةٍ دماغيَّة شَلَّتِ الجانِبَ الأيسَرَ من وَجهِه، وكان هذا يسبِّبُ له نَوبَاتِ ألَمٍ شديد. في معظمِ الأيام، كان بالكادِ يتمكَّن من دَفْعِ تكاليفِ الإيجارِ والطعام، فعاشَ مكتئبًا ويائسًا.

وفي إحدى الليالي، خَرَجَ ليتجوَّلَ في الشوارعِ الخالية حتَّى الفجر، ولمَّا عادَ إلى شِقَّتِهِ المُهترئة، وَقَعَ نظرُهُ على مُغَلَّفٍ سَميكٍ على الطاولة، فيه آياتٌ من الكتابِ المقدَّس كتَبَها له صَديقُهُ تشارلز جينينز ليشجِّعَهُ على تأليفِ لحْنٍ جديد. وَضَعَ جورج الأوراقَ جانِبًا واستلقى على السرير، لكنَّه لم يقدِرْ أن ينام لأنَّ بعضَ الكلماتِ التي قرأَها لم تفارِقْ ذهنَه: ‘‘ٱلشَّعْبُ ٱلسَّالِكُ فِي ٱلظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا’’. إنَّه مجدُ الله. هللويا.

فقامَ وتوجَّهَ نحو البيانو وبَدَأَ بالكتابة، وكان بالكادِ يأخُذُ فترةَ استراحة ليأكُلَ أو ينام. وبَقِيَ على هذه الحال لثلاثةِ أسابيع، ورَفَضَ مقابَلَةَ أيِّ أحد قبل الانتهاءِ من تأليفِ اللَّحن. ثمَّ تمكَّنَ أحدُ أصدقائِهِ من دخولِ الشقَّة، فوجَدَهُ جالِسًا أمامَ البيانو وأوراقُ اللَّحنِ في كلِّ مكان. وبعدَ أن أكمَلَ جورج لَحْنَ ال”هللويا”، قالَ لصديقِهِ والدموعُ تَسيلُ على وجهِه: ‘‘أعتقدُ أنِّي رأيتُ السماءَ كلَّها أمامي وشاهدْتُ اللهَ بجلالِه جالِسًا على عرشِه”.

اليوم، تُعَدُّ مقطوعةُ المسيح لِهاندل من أعظمِ المقطوعاتِ الموسيقيَّة التي تمَّ تأليفُها في جميعِ أنحاءِ العالم. ففي هذه المعزوفةِ أمرٌ يُلهِمُكَ بطريقةٍ لا تنساها أبدًا. فحتَّى القديسون القُدامى الذين باتوا ينسَون كثيرًا، ولا يتذكَّرونَ حتَّى طريقَ العودةِ إلى البيت، يستطيعون أن يتذكَّروا أناشيدَ الإيمانِ العظيمة.

نَصِلُ الآنَ في رحلةِ الحكمة إلى نهايةِ سِفرِ التثنية. سيَموتُ موسى بعدَ أيَّام، بعد أن عاشَ حياةً صعبة، لكنَّه يريدُ الآنَ قبلَ أيِّ شيء أن يُعطيَ بَني إسرائيلَ دافِعًا ليُمَجِّدوا الله، وينتظروا اليومَ الذي سيملُكُ فيه الله على جميعِ أمَمِ العالم.

والآن حانَ الوقتَ لتسليمِ عصا القيادة إلى يشوع، وهذا ما فعلَه موسى في الآياتِ الأولى من الأصحاح 31. في الآية 6 قالَ هذه الكلماتِ المشجِّعة للشعب: ‘‘تَشَدَّدُوا وَتَشَجَّعُوا. لَا تَخَافُوا وَلَا تَرْهَبُوا وُجُوهَهُمْ لِأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ سَائِرٌ مَعَكَ. لَا يُهْمِلُكَ وَلَا يَتْرُكُكَ». ثمَّ قالَ موسى الكلامَ نفسَهُ ليشوع في الآيتين 7 و8: ‘‘تَشَدَّدْ وَتَشَجَّعْ… وَٱلرَّبُّ سَائِرٌ أَمَامَكَ. هُوَ يَكُونُ مَعَكَ. لَا يُهْمِلُكَ وَلَا يَتْرُكُكَ. لَا تَخَفْ وَلَا تَرْتَعِبْ».

بعد ذلك، قامَ موسى بأمرٍ مفاجئٍ تمامًا. فكنتُ أتوقَّعُ أن يُلقِيَ عِظَةً أخيرة مؤثِّرة ومُقنِعة لئلَّا ينسَوها أبدًا. لكنَّه بَدَلاً من ذلك كَتَبَ نشيدًا. ربَّما لأنَّه يعرِفُ أمرًا يُدركُهُ كلُّ واعظ، وهو أنَّ الناسَ قد لا يتذكَّرونَ عِظتَكَ، لكنَّهم يتذكَّرونَ أناشيدَ الإيمان. لذا، كَتَبَ موسى نشيدًا ليُرَنِّمَهُ الشعب.

ما أهميَّةُ هذا النشيد؟ كان اللهُ يَعلَم، وأخبَرَ موسى، أنَّه بعدَ وفاة موسى، سيتحوَّلُ بَنو إسرائيل إلى عبادةِ آلِهَةٍ غريبة، وسيترُكونَ الرب. والواقعُ هو أنَّ الارتداد سيطَرَ على الأمَّة في القرونِ التالية. وقالَ الربُّ لموسى في الآية 19: ‘‘فَٱلْآنَ ٱكْتُبُوا لِأَنْفُسِكُمْ هَذَا ٱلنَّشِيدَ، وَعَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِيَّاهُ. ضَعْهُ فِي أَفْوَاهِهِمْ، لِكَيْ يَكُونَ لِي هَذَا ٱلنَّشِيدُ شَاهِدًا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ… يُجَاوِبُ هَذَا ٱلنَّشِيدُ أَمَامَهُ شَاهِدًا، لِأَنَّهُ لَا يُنْسَى مِنْ أَفْوَاهِ نَسْلِهِ’’.

الأصلُ العبريُّ لكلمةِ ‘‘شاهِد’’ هنا يعني أنَّ هذا النشيدَ سيكونُ تأكيدًا وشَهادةً للحقّ، وسيذكِّرُ الشعبَ بحقِّ شريعةِ الله، وبعَظَمَتِهِ وبَرَكاتِهِ الكثيرة، وسيُبَكِّتُهم على خطاياهم، وسيدعوهم إلى التوبة.

ثمَّ قالَ موسى في الآية 28: ‘‘اِجْمَعُوا إِلَيَّ كُلَّ شُيُوخِ أَسْبَاطِكُمْ وَعُرَفَاءَكُمْ لِأَنْطِقَ فِي مَسَامِعِهِمْ بِهَذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ’’. المقصودُ ب‘‘هذه الكلمات’’ هو كلامُ الشريعة الذي يُقرَأُ كلَّ سبعِ سنواتٍ للجماعة، كما تقولُ الآيات 10 إلى 13، لكنَّها تُشيرُ أيضًا إلى نشيدِ موسى. والإثنان يرفُضان عِصيانَ بَني إسرائيل ويشجِّعان على اتِّباعِ الرب.

ثمَّ تقولُ الآية 30: ‘‘فَنَطَقَ مُوسَى فِي مَسَامِعِ كُلِّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ بِكَلِمَاتِ هَذَا ٱلنَّشِيدِ إِلَى تَمَامِهِ’’. تخيَّلْ درسَ الموسيقى الذي تمَّ تعليمُهُ للملايين من بني إسرائيل، وكأنَّه يُشبِهُ “لَحْنَ الهللويا” العظيم. ويجبُ على أمَّةِ إسرائيل أن تصبِحَ جَوقةً عِملاقة تغنِّي نشيدًا لا يُنسى، سيُصبحُ شَهادةً لعَظَمَةِ الله وروعَتِه وأمانتِه.

ونَجِدُ كلماتِ هذا النشيدِ العظيم في بدايةِ الأصحاح 32: ‘‘اِنْصِتِي أَيَّتُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ فَأَتَكَلَّمَ، وَلْتَسْمَعِ ٱلْأَرْضُ أَقْوَالَ فَمِي… إِنِّي بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ أُنَادِي. أَعْطُوا عَظَمَةً لِإِلَهِنَا’’. بتعبيرٍ آخر: أريدُ أن يستمعَ العالمُ كلُّه إلى الموسيقى التي تتغنَّى بعَظَمَةِ إلهي.

في هذا النشيد، أشارَ موسى خمسَ مرَّاتٍ إلى الله على أنَّه “الصَّخرة” (الآيات 4 و15 و18 و30 و31). وهو ذَكَّرَ بَني إسرائيل بأنَّهم طَوالَ الفترةِ التي هاموا فيها في البريَّة، كان اللهُ صخرةَ أمانةٍ، وصخرةَ حقٍّ ثابت، وصخرةَ خلاصٍ لهم.

يتضمَّنُ هذا النشيد كلامًا فيه شفافيَّة، وستُضطَرُّ الأمَّةُ إلى الإنشاد عن خطيَّتِها إلى الله، وعن عِصيانِها، وفَشَلِها في اتِّباعِه. ولا يوجَدُ خطأٌ في هذا التذكير. ففي ترانيمِنا اليوم، نتكلَّمُ عن خطيَّتِنا التي علَّقَتْ مخلِّصَنا على الصليب. لكنَّ النشيدَ ينتهي بكلامٍ رجاء، حيث كتبَ موسى في الآية 36: ‘‘لِأَنَّ ٱلرَّبَّ يَدِينُ شَعْبَهُ وَعَلَى عَبِيدِهِ يُشْفِقُ’’. يُشبهُ هذا لَحْنَ الهللويا بالنسبةِ لي.

وخُطَّةُ اللهِ لبَني إسرائيل تشبِهُ خُطَّتَهُ لأتباعِهِ اليوم. فهو يكشِفُ لنا خطايانا بنعمَتِه، ولكنَّهُ يؤكِّدُ لنا أنَّ التوبة تؤدي إلى الغُفران والاسترداد. ثمَّ ينتهي النشيدُ في الآية 43 بِوَعْدٍ بأنْ يُدينَ اللهُ الأممَ يومًا ما: ‘‘تَهَلَّلُوا أَيُّهَا ٱلْأُمَمُ، شَعْبُهُ، لِأَنَّهُ يَنْتَقِمُ بِدَمِ عَبِيدِهِ، وَيَرُدُّ نَقْمَةً عَلَى أَضْدَادِهِ، وَيَصْفَحُ عَنْ أَرْضِهِ عَنْ شَعْبِهِ».

كأنَّه يقول: ‘‘لا تقلقْ بشأنِ ما يحدُثُ من حولِك، ولا تخشَ أن يفقِدَ اللهُ السيطرة على التاريخِ والأممِ والمستقبل”. حتمًا لن يحدُثَ هذا. ويومًا ما، سيجلِسُ اللهُ على كرسي القضاء، وكما كَتَبَ جورج هاندل في العام 1741، وكما كتبَ موسى في نشيدِه قبلَ آلافِ السنين، فإنَّ الربَّ سوف يملُكُ إلى أبدِ الآبدين. هللويا!

نصلُ بهذا إلى ختامِ حَلْقةِ اليوم. إلى أن نلتقي في الحلقةِ المقبلة، نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ ٱللهِ، وَشَرِكَةُ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ، مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ.

Add a Comment

Our financial partners make it possible for us to produce these lessons. Your support makes a difference. CLICK HERE to give today.