اختيار الحياة اليوم

Scripture Reference: Deuteronomy 29–30

 

في هذه الحلقة، نرى موسى واقفًا في عَرَباتِ موآب، وهو لن يدخُلَ أرضَ الموعِد، لكنَّ الشعبَ الذي يكلِّمُه سيدخلُها قريبًا. نقرأُ رسالتَه في الأصحاحين 29 و30 من سفرِ التثنية. في هذه الرسالة، ذكَّرَ موسى بَني إسرائيل بِسَقَطاتِهِم، وحذَّرَهم من عواقبِ الخطيَّة، وشجَّعَهم على أن يتبعوا الرب.

فكِّرْ في الحكمةِ التي اكتسَبَها موسى على مدى السنواتِ الأربَعينَ الماضية. فكِّرْ في الشغف الذي ولَّدَتْه في قلبِه كلُّ تلك الحكمةِ والخبرة على مَرِّ السنين. والآن تخيَّلْ موسى هنا، وهو ينقُلُ ذلك الشغف في رسالةٍ أخيرةٍ إلى جيلٍ جديدٍ مُعانِدٍ من بَني إسرائيل. وجَّهَ إليهِم ثلاثةَ نداءات، وهي النداءاتُ التي نحتاجُ إلى سَماعِها اليوم.

النداءُ الأوّلُ هو هذا: ‘‘لا تغفَلْ عن مخاطر الخطيَّة’’. فتاريخُ بَني إسرائيل يبيِّنُ أنَّهم لم يتعلَّموا الدَّرْسَ عن مخاطرِ الخطيَّة. وفي الأصحاح 29، ذكَّرَ موسى الشعب بإحساناتِ الرب وبالمعجزاتِ التي صنعَها معهم طَوالَ السنواتِ الأربعينَ الماضية. قالَ في الآية 2: ‘‘أَنْتُمْ شَاهَدْتُمْ مَا فَعَلَ ٱلرَّبُّ أَمَامَ أَعْيُنِكُمْ… وَتِلْكَ ٱلْآيَاتِ وَٱلْعَجَائِبَ ٱلْعَظِيمَةُ… لَمْ تَبْلَ ثِيَابُكُمْ عَلَيْكُمْ وَنَعْلُكَ لَمْ تَبْلَ عَلَى رِجْلِكَ’’.

تخيَّلْ نفسَكَ في الملابسِ نفسِها والحذاءِ نفسِه طَوالَ أربعينَ سنة. المشكلة هي أنَّ بَني إسرائيل لم يربُطوا بين النِّقاط. قلوبُهم الآثِمة غَفَلَت عن عظَمَةِ الله. وقد قالَ موسى في الآية 4: ‘‘وَلَكِنْ لَمْ يُعْطِكُمُ ٱلرَّبُّ قَلْبًا لِتَفْهَمُوا وَأَعْيُنًا لِتُبْصِرُوا، وَآذَانًا لِتَسْمَعُوا إِلَى هَذَا ٱلْيَوْمِ’’. اللهُ وحدُه قادرٌ أن يجعَلَهَم يرَون ويسمعون ما كان يفعَلُه.

وأقولُ لك، لا تنسَ هاتين العبارتَين: “عُيونٌ لِيُبصِروا” و”آذانٌ لِيسمعوا”. فسوف تسمَعُ كَلِماتٍ مماثلة في تحذيراتٍ على لسان النبيّ إشعياء والنبي والربِّ يسوعَ المسيح. فالعالَمُ يستمتعُ بنورِ الشمس وبالجمالِ من حولِه، لكنَّه يرفُضُ سَماعَ صوتِ اللهِ ورؤيةَ عَمَلِ يَدَيهِ في الخَليقة.

في الآيتين 18 و19، حذَّرَ موسى بَني إسرائيل من العبادةِ المزيَّفة قائلًا: ‘‘لِئَلَّا يَكُونَ فِيكُمْ رَجُلٌ أَوِ ٱمْرَأَةٌ أَوْ عَشِيرَةٌ أَوْ سِبْطٌ قَلْبُهُ ٱلْيَوْمَ مُنْصَرِفٌ عَنِ ٱلرَّبِّ إِلَهِنَا لِكَيْ يَذْهَبَ لِيَعْبُدَ آلِهَةَ تِلْكَ ٱلْأُمَمِ… لِئَلَّا يَكُونَ فِيكُمْ مَن يَتَبَرَّكُ فِي قَلْبِهِ قَائِلًا: يَكُونُ لِي سَلَامٌ، إِنِّي بِإِصْرَارِ قَلْبِي أَسْلُكُ…’’. لقد أدركَ موسى الطبيعةَ المُخادعة للخطيَّة، وأنَّ الإنسانَ قد يتمرَّدُ على الله وهو يسلُكُ بإصرارِ قلبِه بينما يجولُ قائلاً لنفسِه: “أنا في سلام”.

يا صديقي، لا يوجدُ سلامٌ مع الخطيَّة. لا تغفَلْ عن مخاطِرِ الخطيَّة. فالخطيَّةُ تُطيحُ بحياتِكَ وتدمِّرُها، كما قالَ موسى هنا في الآية 21.

ثمَّ وجَّهَ موسى نداءً مؤثِّرًا، وهو النداءُ الثاني. قال: ‘‘لا تنسَ أبدًا أنَّ نعمَةَ الله أعظمُ من الخطيَّة’’. يا صديقي، يمكنُكَ أن تدمِّرَ حياتَكَ بالخطيَّة، لكنَّكَ تدمِّرُ حياتَكَ أيضًا إذا اعتقدْتَ أنَّ اللهَ لن يغفِرَ خطيَّتَك، لأنَّكَ أخطأتَ كثيرًا أو أخطأْتَ لفترةٍ طويلة.

في الأصحاح 30، شاركَ موسى خبرًا رائعًا. صحيحٌ أنَّ الأمَّةَ ستخطئُ إلى الله، لكنْ لاحِظْ ما قاله موسى في الآية 2: ‘‘وَرَجَعْتَ إِلَى ٱلرَّبِّ إِلَهِكَ وَسَمِعْتَ لِصَوْتِهِ… بِكُلِّ قَلْبِكَ وَبِكُلِّ نَفْسِكَ، يَرُدُّ ٱلرَّبُّ إِلَهُكَ سَبْيَكَ وَيَرْحَمُكَ’’. نعم، الخطيَّةُ تدمِّر، لكنَّ نعمةَ اللهِ تبني. الخطيَّةُ تسلُب، لكنَّ اللهَ هو إلهُ الاستردادِ والتعويض. الخطيَّةُ قويَّة، لكنَّ نعمَةَ اللهِ أقوى.

ولا ينطبقُ هذا على بَني إسرائيلَ فحسب، بل ينطبقُ عليكَ وعليَّ اليوم. أذكُرُ أنِّي قرأتُ قِصّةً حقيقيَّة ابتدأتْ في قريةٍ فقيرةٍ في البَرازيل. إنَّها قِصَّةُ ماريا، التي كانت تعيشُ مع ابنتِها كريستينا في كوخٍ صغيرٍ بأرضيَّةٍ ترابيَّة وسَقْفٍ من قِرميدٍ أحمر. تُوُفِّيَ زَوجُ ماريا عندما كانت كريستينا طِفلة، وبذلَتْ ماريا قُصارى جُهدِها لتربيةِ ابنَتِها.

ثمَّ كَبِرَت كريستينا وأصبحت مراهقة جميلة وجذَّابة، وكانت لديها نزعَةُ استقلاليَّة أقلَقَتْ والدتَها. فهي كانت تتحدَّثُ كثيرًا عن الهروب من تلك القريةِ الصغيرة الموحِلة والذَّهابِ إلى ريو دي جانيرو، تلك المدينةِ التي بَدَتْ نابضةً بالحياة. وكانت والدتُها تُذَكِّرُها دائمًا بالمخاطرِ في تلك المدينة، فهي كانت تعلَمُ أنَّه إذا ذهبَتْ ابنَتُها إلى هناك ولم تتمكَّنْ من إعالَةِ نفسها، فستواجهُ المخاطِرَ والمآسي.

ذاتَ صباح، استيقَظَتْ ماريا من النوم ولم تَجِدِ ابنَتَها. فَعَلِمَت إلى أين ذهبَتْ، وانفطَرَ قلبُها. ولمَّا تمكَّنَتْ من توفيرِ المال لشراءِ تَذْكِرَة مواصلات، حَزَمَتْ حقيبةً صغيرةً واتَّجَهَتْ إلى محطَّةِ الباصات. وقبل وصولِها، توقَّفتْ عند أحدِ محلَّاتِ التصوير، والتقطَتْ أكبرَ عددٍ ممكنٍ من الصور، ثمَّ توجَّهَتْ إلى ريو دي جانيرو.

هناك بدأتْ تزورُ أماكِنَ بائعاتِ الهوى، لأنّها كانت تعلَمُ أنَّه عندما يقترنُ التمرُّدُ بالجوع، فقد يفعَلُ الإنسانُ أيَّ شيءٍ ليتمكَّنَ من الاستمرار. فقَصَدَتْ ماريا الحانات والفنادق والنوادي الليليَّة، وأينما ذهبَتْ كانت تَلصُقُ صورتَها على الحائط، في باحاتِ الفنادق وبالقربِ من مَرايا الحَمَّامات. وعلى الجهةِ الخلفيَّةِ لكلِّ صورة، كَتَبَتِ الرسالةَ نفسَها.

وبعد عدَّةِ أيَّام، لم يعُدْ لديها مالٌ وصُوَر، وغَلَبَ عليها التعبُ والحزن، فاستقلَّتِ الحافلة لتقومَ برحلةٍ طويلة للعودةِ إلى ديارِها. ومرَّتْ أسابيعُ وأشهر. وذاتَ يوم، وفيما كانت كريستينا نازِلَةً على الدَّرَج، نظرَتْ عبرَ الرَّدهة ورأتْ صورةَ وَجهٍ مألوفٍ مُثَبَّتَةً على الحائط. فرَكَضَتْ وأزالَتْها. وبالفعل، كانت تلك صورَةَ والِدَتِها. فامتلأتْ عيناها بالدموع وهي تنظُرُ إلى صورَةِ أمِّها التي كانت تحبُّها كثيرًا. ثمَّ قَلَبَتِ الصورة ووجدَتْ هذه الرسالة: “أينما كُنتِ ومَهْما أصبَحتِ لا يَهُمّ. عُودي إلى المنزل”.

وهذا ما فعلَتْه كريستينا. عادتْ إلى المنزل. يا صديقي، كان اللهُ يعلَمُ أنَّ بَني إسرائيل سيَضِلُّون. وحتَّى عندما وجَّهَ موسى هذه النداءات، كان اللهُ يعلَمُ أنَّ بَني إسرائيل لن يترُكوا حياةَ الخطيَّة. لكنْ، وبالرُّغمِ من ذلك، ذكَّرَهم موسى بأنَّ نعمَةَ الله ليست بعيدةَ المَنال، وبأنَّه يمكنُهم أن يتوبوا ويعودوا إلى الديار.

هنا وجَّهَ موسى نداءً أخيرًا: ‘‘إختَرْ أن تسلُكَ مع اللهِ كلَّ يوم’’. وختَمَ موسى رسالتَه المؤثِّرة في الأصحاح 30 بهذه الكلماتِ التي لا تُنتَسى في الآيتين 19 و20: ‘‘أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ ٱلسَّمَاءَ وَٱلْأَرْضَ، قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ ٱلْحَيَاةَ وَٱلْمَوْتَ، اللعنة والبركة… فَٱخْتَرِ ٱلْحَيَاةَ، إِذْ تُحِبُّ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ وَتَسْمَعُ لِصَوْتِهِ وَتَلْتَصِقُ بِهِ، لِأَنَّهُ هُوَ حَيَاتُكَ وَٱلَّذِي يُطِيلُ أَيَّامَكَ’’.

واو! هذا هو الخِيار: الحياة أو الموت، الخطيَّة أو المخلِّص. ماذا اختارَ بَنو إسرائيل آنذاك؟ والأهمُّ من ذلك، أنتَ ماذا تختارُ اليوم؟ وكما كانتِ الحالُ مع بَني إسرائيل، عندما تختارُ أن تُحِبَّ الربَّ وأن تسمعَ له، فأنتَ تختارُ حياةً تستحقُّ أن تعيشَها. لذا، اختَرِ اليوم أن تُحبَّه وتتبَعَه وتُطيعَ كَلِمَتَه، وعندما تختارُ ذلك، يحدُثُ فرقٌ كبيرٌ في حياتِكَ اليومَ وغَدًا.

نصلُ بهذا إلى ختامِ حَلْقةِ اليوم. إلى أن نلتقي في الحلقةِ المقبلة، نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ ٱللهِ، وَشَرِكَةُ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ، مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ.

Add a Comment

Our financial partners make it possible for us to produce these lessons. Your support makes a difference. CLICK HERE to give today.