البركات والعواقب

Scripture Reference: Deuteronomy 27–28

 

بينما نتابعُ رحلةَ الحكمة في الأصحاحين 27 و28 من سفرِ التثنية، نُذَكِّرُ بأنَّ جيلاً جديدًا من بَني إسرائيل كان واقفًا على عتبَةِ أرضِ الموعِد للاستعدادِ للدخولِ إليها. قِلّةٌ منهم كانوا كِبارًا في السنّ ليتذكَّروا مجدَ اللهِ العظيم الذي تجلَّى على جَبَلِ سيناء قبل أربَعينَ عامًا. في ذلك الوقت، قَطَعَ اللهُ عهدًا مع بَني إسرائيل، وهم وَعَدوا بطاعتِه والعملِ بوصاياه.

حدثتْ أمورٌ كثيرة خلالَ أربَعينَ سنة. والآن يجبُ على الجيلِ الجديد أن يعبِّرَ شخصيًا عن التزامِهِ بعهدِ الله. ولن يكونَ موسى شاهدًا على ذلك لأنَّه سيموتُ قبلَ دُخولِ بَني إسرائيلَ الأرض، لكنَّه يَصِفُ كيف يجبُ أن يكون حفلُ تجديدِ الالتزامِ بالعهد.

فلنذهبْ إلى الأصحاح 27 من سفرِ التثنية ونستمعْ إلى موسى وهو يقدِّم ما يُعرَفُ بتعليماتِ تجديدِ العهد. طَلَبَ موسى من شيوخِ أسباطِ إسرائيل الوقوفَ بجانبِه، وقالَ في الآية 2: ‘‘فَيَوْمَ تَعْبُرُونَ ٱلْأُرْدُنَّ إِلَى ٱلْأَرْضِ ٱلَّتِي يُعْطِيكَ ٱلرَّبُّ إِلَهُكَ، تُقِيمُ لِنَفْسِكَ حِجَارَةً كَبِيرَةً وَتَشِيدُهَا بِٱلشِّيدِ، وَتَكْتُبُ عَلَيْهَا جَمِيعَ كَلِمَاتِ هَذَا ٱلنَّامُوسِ’’.

كان عليهم أن يحمِلوا الحجارةَ المنقوشة من نهر الأردن إلى شَكيم، مسافَةَ خمسينَ كيلومترًا تقريبًا. وشَكيم هي المدينة التي كان ابراهيم قد بنى فيها مذبحًا للرب للمرةِ الأولى قبل 700 سنة. كان على بَني إسرائيل أن يَبنوا مذبحًا في شَكيم بين جَبَلَين، هما جَبَلُ جِرِزِّيمَ إلى الجنوب وجَبَلُ عِيبال إلى الشَّمال. وعلى هذا المذبح، قالَ موسى في الآية 6: ‘‘وَتُصْعِدُ عَلَيْهِ مُحْرَقَاتٍ لِلرَّبِّ إِلَهِكَ. وَتَذْبَحُ ذَبَائِحَ سَلَامَةٍ. وَتَأْكُلُ هُنَاكَ وَتَفْرَحُ أَمَامَ ٱلرَّبِّ إِلَهِكَ’’. المُحرَقة تعبِّرُ عن التزامِهم بالعهد، وذبيحةُ السلامة تعبِّرُ عن شُكرِهِم على العهد.

في الآية 9، كلَّم موسى والكهنة بَني إسرائيل قائلين: ‘‘ٱلْيَوْمَ صِرْتَ شَعْبًا لِلرَّبِّ إِلَهِكَ. فَٱسْمَعْ لِصَوْتِ ٱلرَّبِّ إِلَهِكَ وَٱعْمَلْ بِوَصَايَاهُ وَفَرَائِضِهِ ٱلَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا ٱلْيَوْمَ’’. بتعبيرٍ آخر، هذه خِدمةُ إعادةِ تكريس. وقالَ قادةُ الأمَّة: ‘‘نريدُ منكم جميعًا أن تكرِّسوا أنفسَكم من جديد لطاعةِ الرب لأنَّكم شعبُهُ الخاص’’.

ثمَّ عيَّن موسى ستَّةَ أسباط للوقوفِ على جبلِ جِرِزِّيمَ لتمثِّلَ برَكاتِ طاعةِ العهد، وستَّةَ أسباطٍ أخرى للوقوفِ على جبلِ عِيبال لتمثِّلَ اللعناتِ الناتجة عن عدمِ طاعةِ العهد، فيما يَقفُ الكهنةُ بينَ المجموعتَين عند المذبَحِ في شَكيم.

في الآية 14 قالَ موسى للاويِّين إنَّه عندما تكونُ جميعُ الأسباطِ واقفةً في مكانِها، عليهم إعلانُ كلامِ اللعنةِ “بصوتٍ عالٍ”، كما جاء في الآية 15: ‘‘مَلْعُونٌ ٱلْإِنْسَانُ ٱلَّذِي يَصْنَعُ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا أَوْ مَسْبُوكًا، رِجْسًا لَدَى ٱلرَّبِّ عَمَلَ يَدَيْ نَحَّاتٍ، وَيَضَعُهُ فِي ٱلْخَفَاءِ، وَيُجِيبُ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ وَيَقُولُونَ: آمِينَ’’. وكلمةُ ‘‘آمين’’ تعني ‘‘ليَكُنْ كذلك’’.

ثمَّ على الكهنةِ إعلانُ 11 لعنةً أخرى، وبعدَ كلِّ لعنة يجبُ على الشعبَ أن يصرُخَ آمين، ما يعني: معك حقّ. فَلْيَكُنْ كذلك. هذه اللَّعَنات أو العواقب مرتبطةٌ بكلِّ شيء، ابتداءً من الامتناع عن عبادةِ الله إلى عدمِ احترامِ الوالدَين، وتحريفِ العدالة، والتورُّطِ في أعمالِ الفجور. البَندُ الأخيرُ في القائمة، هنا في الآية 26، يلخِّصُ الفكرةَ الرئيسيَّة: ‘‘مَلْعُونٌ مَنْ لَا يُقِيمُ كَلِمَاتِ هَذَا ٱلنَّامُوسِ لِيَعْمَلَ بِهَا’’. وبهذا يختَّتِمُ موسى تعليماتِ تجديدِ العهد.

في الأصحاح 28 أعطى موسى ما نسمِّيه شروطَ تجديدِ العهد. وهنا نَجِدُ عددًا من الجُمَلِ الشَّرطيَّة: ‘‘إذا سمِعوا لصوتِ الرب وعمِلوا بوصاياه ينالونَ البركات، وإذا لم يسمعوا لصوت الرب ولم يعملوا بوصاياه ينالون اللعنات’’. إذًا، بدأ موسى بتشجيعِ الأمَّة في الآية 2 قائلًا: ‘‘وَتَأْتِي عَلَيْكَ جَمِيعُ هَذِهِ ٱلْبَرَكَاتِ وَتُدْرِكُكَ، إِذَا سَمِعْتَ لِصَوْتِ ٱلرَّبِّ إِلَهِكَ’’.

إذًا هذه البركات سوف تدركُهُم. ومَن لا يريدُ أن تدركَهُ برَكاتُ الله؟ كلُّ ما كان على بَني إسرائيل فعلُه هو طاعةُ وصايا العهد. البَرَكاتُ الناتجة عن طاعةِ الرب المذكورة في الآيات 3 إلى 6 هي بركاتُ ثَمَرَةِ البطن وثَمَرَةِ البهائم وثَمَرَةِ الأرض. أمَّا في الآيات 7 إلى 12، فيَعِدُ الربُّ بحمايتِهم من خلالِ هزْمِ أعدائِهِم ومَلْءِ مخازِنِهِم، فتندهشُ سائرُ الأمَمِ أمامَ روعةِ هذا الإلهِ العظيم وشعبِهِ المختار. ولن يتمكَّنَ أحدٌ من تَجَاهُلِ الحقيقة، وهي أنَّ عائلات إسرائيل تنمو، وقطعانَهم ومواشيهم تتكاثر، والسماوات تُرسِلُ مَطَرًا لِرَيِّ محاصيلِهِم في حينِه.

الأمرُ البديهيُّ هنا هو أنَّ اللهَ يتوقُ إلى أن يباركَ شعبَه، فهو يحبُّهم ويعلِّمُهم كيف يجبُ أن يعيشوا لكي تتباركَ حياتُهم وتفيضَ فرحًا. فَلننتَبِه من الوقوع في لاهوتِ الرَّخاء هنا. فالعهدُ الجديد يعلِّمُنا أنَّ اللهَ يعطينا الفرحَ عندما نتبعُه، سواءَ كان في الوَفرة أو في القلَّة، في الألم أو في الازدهار. لكنْ في الوقتِ نفسِه، يُخبرُ اللهُ شعبَه بما سيأتي عليهِم إذا رفَضوا السلوكَ وَفقَ كَلِمَتِه، ويحذِّرُهم من العصيان والتمرُّد.

تقولُ الآية 15: ‘‘وَلَكِنْ إِنْ لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ ٱلرَّبِّ إِلَهِكَ… تَأْتِي عَلَيْكَ جَمِيعُ هَذِهِ ٱللَّعَنَاتِ وَتُدْرِكُكَ’’. إذًا، إنْ قرّرَ الشعب أن يُهمِلوا عهدَ الله بعد إعادةِ تكريسِ أنفسِهم له، سوف يتحمَّلُون العواقب. ولا يزالُ هذا المبدأُ ينطبقُ علينا حتَّى يومِنا هذا. وقد كتبُ المَلِكُ سُلَيمان في سفرِ الأمثال الأصحاح 22 والآية 5: ‘‘شَوْكٌ وَفُخُوخٌ فِي طَرِيقِ ٱلْمُلْتَوِي’’. إذًا طريقُ الملتوي مليءٌ بالبؤس مهما كان يمتلكُ من أشياء، لأنَّه لا يعرفُ الرب.

في الآيات 15 إلى 68 نقراُ عن عواقِبِ العصيان لكي يتأمَّلَ فيها كلُّ جيلٍ من بني إسرائيل. ومع كلِّ لعنة ضمنَ هذه القائمة الطويلة من اللعَنات، يتمُّ تذكيرُ بني إسرائيل بالسببِ وراءَ معاناتِهِم، وهو واردٌ في الآية 20: ‘‘مِنْ أَجْلِ سُوْءِ أَفْعَالِكَ’’، وفي الآية 45: ‘‘لِأَنَّكَ لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ ٱلرَّبِّ إِلَهِكَ’’، وفي الآية 47: ‘‘مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ لَمْ تَعْبُدِ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ’’.

يا صديقي، لا تُهمِلْ قراءةَ هذه الآيات. نتعلَّمُ دروسًا مهمَّة في احتفالِ تجديدِ العهدِ، وهي تنطبقُ على المؤمنين اليوم. سأشاركُ درسَين فقط. أوَّلًا، إحسانُ الله يجبُ أن يدفعَنا إلى الطاعة. لقد اختبرَ بَنو إسرائيل بركاتِ اللهِ في الماضي، وهو وَعَدَهم بالبَرَكةِ في المستقبلِ أيضًا. كما لو أنَّ موسى يقولُ لهم ولنا أيضًا: ‘‘اسمعوا، دَعوا إحسانَ الله في الماضي والمستقبل يدفعُكم إلى طاعتِه في الحاضر”.

الدرسُ الثاني هو هذا: تأديبُ اللهِ المستمر يجبُ أن يمنعَنا من عصيان الرب. في هذه الآيات، أعطى موسى سلسلةً من العواقب الناتجة عن عدمِ طاعةِ الرب. وهذه هي الأمور التي عاقبَ اللهُ بَني إسرائيل عليها في الماضي، ويجبُ على الجيلِ الجديد أن يعرِفَ هذا جيِّدًا. وقد قالَ لهم موسى: ‘‘لا تفعلوا ما فعلوه، لا تكرِّروا التاريخ. دَعوا تأديبَ اللهِ المستمر يضعُ حدًّا لأيِّ فِكْرِ عدمِ طاعة في أذهانِكم’’. فالله لم يتغيَّر، وهو إلهُكَ أنتَ اليوم إذا كنتَ تؤمنُ بابنِهِ يسوعَ المسيح. الطاعةُ لا تزالُ مهمَّة، وهي لا تزالُ تجلُبُ الحريَّةَ والفرحَ إلى حياتك. وعدمُ طاعتِك سيأتي بتأديبِ الله، لأنَّك عزيزٌ جدًّا في عينَيه، وهو لن يسمَحَ لك بالابتعادِ عنه.

نصلُ بهذا إلى ختامِ حَلْقةِ اليوم. إلى أن نلتقي في الحلقةِ المقبلة، نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ ٱللهِ، وَشَرِكَةُ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ، مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ.

Add a Comment

Our financial partners make it possible for us to produce these lessons. Your support makes a difference. CLICK HERE to give today.