
البر في المراجعة
أدعوكَ اليومَ إلى شَدِّ حزامِ الأمان بينما نقومُ برحلةٍ سريعة عبرَ صَفَحاتِ الأصحاحات 16 إلى 26 من سفرِ التثنية. جمَعْتُ هذه الأصحاحات في درسٍ واحد لأنَّها تتكلَّمُ عن الموضوعِ نفسِه وهو بِرُّ الله.
ما معنى كلمة ‘‘بِرّ’’؟ بِرُّ اللهِ هو استعلانُ كَمالِهِ الأبديّ. يعني هذا أنَّ كلامَه وأفعالَه هي دائمًا مستقيمة وصحيحة. حتى عندما لا نفهمُها، وحتَّى عندما لا نستوعِبُها، يُمكنُنا أن نَثِقَ بأنَّ كلَّ ما يفعلُهُ الله وكلَّ ما يقولُه هو دائمًا بارّ، أي أنَّه دائمًا صائب. إذًا، سنركِّزُ اليومَ على بِرِّ الله وكيفيَّةِ تأثيرِه على كلِّ شيءٍ في الحياة.
بدايةً، أوَدُّ الإشارةَ إلى بِرِّ الله بالارتباطِ مع القادةِ في إسرائيل. إذا أرادَتْ أمَّةُ إسرائيل أن تمثِّلَ إلهَها البار، فهي تحتاجُ إلى قادةٍ أبرار. ابتداءً من الأصحاح 16 من سفرِ التثنية، ذَكَرَ موسى الفئةَ الأولى من القادة الذين يحتاجون إلى السلوكِ بالبِرّ. في الآية 18 قالَ اللهُ من خلال موسى: ‘‘قُضَاةً وَعُرَفَاءَ تَجْعَلُ لَكَ فِي جَمِيعِ أَبْوَابِكَ… فَيَقْضُونَ لِلشَّعْبِ قَضَاءً عَادِلًا. لَا تُحَرِّفِ ٱلْقَضَاءَ، وَلَا تَنْظُرْ إِلَى ٱلْوُجُوهِ، وَلَا تَأْخُذْ رَشْوَةً… ٱلْعَدْلَ ٱلْعَدْلَ تَتَّبِعُ’’.
دُعيتُ مؤخَّرًا لإلقاءِ محاضرة أمامَ رئيسِ المحكمةِ العليا في محافظتي، وهو اختارَ مقطعًا من العهدِ القديم ليكونَ موضوعَ المُحاضرة. يتحدَّثُ هذا المقطع عن إلزامِ قُضاةِ إسرائيل بإصدارِ أحكامٍ عادلة ورَفْضِ الرَّشوة. المقطعُ رائعٌ جدًّا، وبصراحة، شعرتُ بالفخرِ عندما سمعتُ شهادةَ حياةِ الرَّجُل. فأنا أعتقدُ أنَّه يستحيلُ لأيِّ أمَّة أن تحقِّقَ العدل إذا كان القضاةُ فيها فاسدين. ويا لها من برَكة أن يكونَ القضاةُ أبرارًا.
الفئةُ الثانية من القادة نقرأُ عنها في الأصحاح 17. بينما كان موسى يتطلَّعُ إلى المستقبل، قالَ في الآية 14: ‘‘مَتَى أَتَيْتَ إِلَى ٱلْأَرْضِ ٱلَّتِي يُعْطِيكَ ٱلرَّبُّ إِلَهُكَ… فَإِنْ قُلْتَ: أَجْعَلُ عَلَيَّ مَلِكًا كَجَمِيعِ ٱلْأُمَمِ ٱلَّذِينَ حَوْلِي، فَإِنَّكَ تَجْعَلُ عَلَيْكَ مَلِكًا ٱلَّذِي يَخْتَارُهُ ٱلرَّبُّ إِلَهُكَ’’. أرادَ الربُّ من بَني إسرائيل أن يتوقوا إلى مَلِكٍ أو قائدٍ يكونُ بارًا ويُدافِعُ عن العدالة، أن يكونَ مَلِكًا يختارُهُ الرب.
ثمَّ ننتقلُ إلى الأصحاح 18 حيث أشارَ موسى إلى الفئةِ الثالثةِ من القادة الذين يحتاجون إلى صُنعِ البِرّ أو إلى أن يكونوا أبرارًا. تَذكُرُ الآيةُ الأولى بشكلٍ خاص ‘‘الْكَهَنَةِ ٱللَّاوِيِّينَ، كُلِّ سِبْطِ لَاوِي’’، وتقولُ الآية 5: ‘‘لِأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ قَدِ ٱخْتَارَهُ مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِكَ لِكَيْ يَقِفَ لِيَخْدِمَ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ’’. سأقولُ لكَ أمرًا: إذا كانَ هناكَ مَن يحتاجُ إلى صُنعِ البِرّ، فَهُم القادةُ الروحيُّون. كان هذا صحيحًا آنذاك، وهو صحيحٌ بالتأكيد اليوم. ويُذَكِّر الربُّ شعبَ إسرائيلَ هنا بضرورةِ مساعدةِ هؤلاءِ القادةِ الأتقياء عبرَ دَعمِهِم بأمانةٍ من خلالِ تقدِماتِهِم. بتعبيرٍ آخر، هو قال: “اعتَنوا بِهِم وباحتياجاتِهم كما هم يعتَنونَ بكم روحيًّا”.
قبلَ الانتقالِ إلى الفئةِ التالية من القادة، يوجِّهُ موسى تحذيرًا قاسيًا ضدَّ الممارساتِ الشريرة التي يقومُ بها الشعبُ المُقيمُ في الأرض التي سيرثُها بَنو إسرائيل. إذًا، هنا في الأصحاح 18، هذه الأمَمُ الوثنيَّة سوف تُدان بسبب ممارساتِها الشريرة كالتواصلِ مع الأموات، وقراءةِ الطَّالِع، وعبادةِ الآلهةِ المزيَّفة، أي عبادةِ الشياطين.
جُزءٌ من الحَلِّ الذي أعطاه الله في الآية 15 وصولًا إلى آخِرِ الأصحاح 18، يكمُنُ في خدمةِ الأنبياءِ الحقيقيِّين. فالآية 18 تقول: ‘‘أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا… وَأَجْعَلُ كَلَامِي فِي فَمِهِ، فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ’’. إذًا، النبيُّ الحقيقيُّ يتكلَّمُ بما يوصيهِ به الله. وبالمناسبة، قدَّمَ موسى للأمَّة اختبارًا مَوثوقًا لكشْفِ الأنبياءِ الكذبة. قالَ في الآية 22: ‘‘فَمَا تَكَلَّمَ بِهِ ٱلنَّبِيُّ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ وَلَمْ يَحْدُثْ وَلَمْ يَصِرْ، فَهُوَ ٱلْكَلَامُ ٱلَّذِي لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ ٱلرَّبُّ’’. إذًا، هذا النبيُّ كذَّاب، ولم يكن يعيشُ طويلًا إذا لم يتحقَّق ما قاله.
هذه الأمور كلُّها مهمَّة لأنَّها تُشيرُ إلى النبيٍّ القادمٍ في إسرائيل، إلى يسوعَ المسيح الذي سيتكلَّمُ بكلامِ الله لأنَّه هو الكلمة، اللوغوس، كلمةُ اللهِ المتجسِّدة. وموسى نفسُهُ يتنبَّأُ هنا في الأصحاح 18 بمجيءِ المسيحِ والمخلِّص، الربِّ يسوعَ المسيح، كلمةِ اللهِ النازلة من السماء.
في الأصحاحات 19 إلى 25، كرَّرَ موسى العديدَ من الأحكامِ والفرائض التي رأيناها في دراستِنا لأسفارِ الخروج واللاويين والعدد. كرَّرَ الأحكامَ المتعلِّقة بالمُدُنِ الملجأ في الأصحاح 19، وفي الأصحاح 20، كرَّرَ التعليمات المتعلقة بكيفيَّةِ اقتحامِ الأراضي والاستيلاءِ عليها. في الأصحاحاتِ التالية، نجدُ قوانينَ تنظِّمُ أمورًا مثلَ حقوقِ الميراث، والضَوابِطِ الجنسيَّة، والطَّلاق، والتطهُّر وَفقَ الطقوس، والعَلاقاتِ الشخصية.
من الواضحِ أنَّ هذا الجيلَ الجديدَ من بَني إسرائيل يحتاجُ إلى إعادةِ التعرُّفِ على الناموس والالتزامِ به إذا أرادَ أن ينجح، وأن يتمتَّعَ بالسلامِ في أرضِ الموعِد. كلُّ هذه الأحكامِ والفرائض بيَّنَتْ حدودَ بِرِّ الله، كما يحدِّدُ السياجَ حول حديقتِكَ الخلفيَّة المكانَ الذي يُمكِنُ لأطفالِكَ أن يلعبوا فيه من أجلِ حمايتِهم. وضمن حدودِ هذا السِّياج، يعلَمون أين يمكنَهم أن يركُضوا وأينَ يجبُ أن يتوقَّفوا. هكذا أيضًا أحكامُ الله تَضمَنُ لنا الحماية والإرشاد، وتبيِّنُ لنا أين نذهب وأين نتوقَّف.
حتَّى الآن، في هذه المراجعة السريعة، رأيْنا بِرَّ الله بالارتباطِ مع قادةِ إسرائيل، بالارتباطِ مع القضاةِ والكهنة. رأينا أيضًا بِرَّ الله بالارتباطِ مع الأحكام والفرائض التي أعطاها اللهُ لشعبِه، وقد أظهَرَتْ هذه الأحكام معاييرَ برِّ الله وكيف يجبُ على الإنسانِ البارّ أو المبرَّرِ أمامَ الله أن يعيشَ حياتَه.
خِتامًا، سأتكلَّمُ عن بِرِّ الله بالارتباطِ مع العبادةِ في إسرائيل. هذا هو موضوعُ الأصحاح 26. مرَّةً أخرى، يتطلَّعُ موسى إلى المستقبل، إلى الوقتِ الذي سيتمكَّنُ فيه بَني إسرائيل من حَصادِ محصولٍ وفيرٍ في أرضِ الموعد. وطَلَبَ منهم إحضارَ تقدمةٍ من هذا المحصول وتقديمَها إلى الكاهن. وكان على الشعبِ أن يقول في الآية 3 من الأصحاح 26: ‘‘أَعْتَرِفُ… أَنِّي قَدْ دَخَلْتُ ٱلْأَرْضَ ٱلَّتِي حَلَفَ ٱلرَّبُّ لِآبَائِنَا أَنْ يُعْطِيَنَا إِيَّاهَا’’. يَجِبُ على كلِّ مَن يعبُدُ الربَّ من بَني إسرائيل أن يُخبِرَ عن أمانَةِ الربِّ معهم كأمَّة، ثمَّ يختِمُ قائلًا في الآية 10: ‘‘فَٱلْآنَ هَأَنَذَا قَدْ أَتَيْتُ بِأَوَّلِ ثَمَرِ ٱلْأَرْضِ ٱلَّتِي أَعْطَيْتَنِي يَا رَبُّ’’. إذًا، كانت هذه التقدمة إعلانًا عن أمانةِ الله. ومَن هو أمينٌ لإسرائيل هو نفسُهُ البار الذي يدعو بَني إسرائيل إلى العيشِ بالاستقامةِ والبِرّ. اللهُ البار يريدُ من شعبِه أن يسلُكَ بالبرّ، وأن يكون بارًّا أمامَه.
يا صديقي، لا يزالُ هذا المبدأُ صحيحًا حتَّى يومِنا هذا. كلُّ مَن كان قلبُهُ مستقيمًا، كلُّ مَن كان مبرَّرًا أمامَ الله، سوف يحبُّ اللهَ ويعبُدُهُ ويتبعُه بفرح. ما نراه في هذه الأصحاحات هو تحديدًا ما أراده موسى لبَني إسرائيل في سفرِ التثنية الأصحاح 4 والآية 6 حين قال: ‘‘فَٱحْفَظُوا وَٱعْمَلُوا (الفرائض والأحكام)، لِأَنَّ ذَلِكَ حِكْمَتُكُمْ وَفِطْنَتُكُمْ أَمَامَ أَعْيُنِ ٱلشُّعُوبِ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ كُلَّ هَذِهِ ٱلْفَرَائِضِ، فَيَقُولُونَ: هَذَا ٱلشَّعْبُ ٱلْعَظِيمُ إِنَّمَا هُوَ شَعْبٌ حَكِيمٌ وَفَطِنٌ’’.
بصراحة، كلُّ مؤمنٍ يريدُ الأمرَ نفسَه لأمَّتِهِ وعائلتِهِ وحياتِهِ الشخصيَّة. أليست هذه الحياةَ التي يدعونا الربُّ إلى عَيشِها كمؤمنين؟ العالَمُ الوثنيُّ من حولِنا يراقبُنا، وعندما يرانا نسلُكُ بِبِرِّ الله، سوف يقول: هذا الشعب، هذه العائلة، هذا الرُّجُل، هذه المرأة، انظُروا إليهم! إنَّهم ينتمونَ إلى إلهٍ حكيم. هم يُشبِهونَه. إنَّهم شعبٌ حكيمٌ وفَطِن. وأنا أرجو أن يقولوا هذا عنكَ وعنِّي اليوم.
نصلُ بهذا إلى ختامِ حَلْقةِ اليوم. إلى أن نلتقي في الحلقةِ المقبلة، نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ ٱللهِ، وَشَرِكَةُ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ، مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ.
Add a Comment