
تذكير بالنعمة
بينما نبدأُ رِحلةَ الحكمةِ اليوم عبر صفحِاتِ الأصحاحات 9 إلى 11 من سفرِ التثنية، سأروي لكم قِصَّةً سمعتُها عن مُدَرِّسٍ بديلٍ تمَّ تعيينُه في فصلٍ دراسيٍّ غير منضبط لعدَّةِ أيَّام. في هذا الفصل، تجاوزَ أحدُ الأولادِ الحدود مِرارًا عدّة، فحانَ وقتُ استخدامِ العصا. حَبَسَ التلاميذُ أنفاسَهم فيما أخرجَ المعلِّمُ الولدَ إلى الرُّواق. ولكنْ لسببٍ ما، قرَّرَ المعلِّمُ تلقينَ الصبيِّ درسًا بطريقةٍ غير معتادة. رَكَعَ بجانِبِ الصبيّ وقالَ له: “إسمَع، لن أضرِبَك، بل سأضرِبُ نفسي على ساقي، وعندما أفعلُ ذلك، أريدُ أن تصرُخَ بأعلى صوتِك!” ثمَّ عادَ المعلِّمُ إلى الصفّ وهو يعرُج. وهكذا كَسِبَ احترامًا كبيرًا من طُلَّابِه، وتعلَّمَ الصبيُّ الذي يستحقُّ العصا كيف تكونُ النعمةُ غيرُ المستحَقَّة.
هذا أحدُ الدرسَين العظيمَين اللذَين علَّمَهما موسى لبَني إسرائيل فيما كانوا يستعدُّونَ لدخولِ أرضِ الموعِد. الدَّرسُ الأوَّلُ هو هذا: نعمةُ اللهِ هي عطيَّةٌ غيرُ مُستَحَقَّة. في بدايةِ الأصحاحِ التاسع من سفرِ التثنية، قالَ موسى: ‘‘اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ، أَنْتَ ٱلْيَوْمَ عَابِرٌ ٱلْأُرْدُنَّ… فَٱعْلَمِ ٱلْيَوْمَ أَنَّ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ هُوَ ٱلْعَابِرُ أَمَامَكَ نَارًا آكِلَةً. هُوَ يُبِيدُهُمْ وَيُذِلُّهُمْ أَمَامَكَ فَتَطْرُدُهُمْ وَتُهْلِكُهُمْ سَرِيعًا كَمَا كَلَّمَكَ ٱلرَّبُّ’’.
عندما أتابعُ القراءة، يتكوَّنُ لديَّ انطباعٌ بأنَّ الشعبَ كان يفترضُ أنَّه يستحقُّ برَكَةَ الرب. قالَ موسى في الآية 4: ‘‘لَا تَقُلْ فِي قَلْبِكَ حِينَ يَنْفِيهِمِ ٱلرَّبُّ إِلَهُكَ مِنْ أَمَامِكَ قَائِلًا: لِأَجْلِ بِرِّي أَدْخَلَنِي ٱلرَّبُّ لِأَمْتَلِكَ هَذِهِ ٱلْأَرْضَ’’. ومجدَّدًا، في الآية 6 يقولُ الرب: ‘‘فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَجْلِ بِرِّكَ يُعْطِيكَ ٱلرَّبُّ إِلَهُكَ هَذِهِ ٱلْأَرْضَ ٱلْجَيِّدَةَ لِتَمْتَلِكَهَا، لِأَنَّكَ شَعْبٌ صُلْبُ ٱلرَّقَبَةِ’’. وأضافَ في الآية 7: ‘‘مِنَ ٱلْيَوْمِ ٱلَّذِي خَرَجْتَ فِيهِ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ… كُنْتُمْ تُقَاوِمُونَ ٱلرَّبَّ’’. كما لو أنَّه يقول: تستحقُّون أن يتمَّ إخراجُكم إلى الرُّواق وتلقينُكم ضَرْبَةً لن تنسَوها أبدًا.
في الآياتِ التالية، ذَكَّرَ موسى بَني إسرائيل بتمرُّدِهِم على كلمةِ الله ونعمتِه. وفي الآية 23 قالَ موسى: ‘‘لَمْ تُصَدِّقُوهُ وَلَمْ تَسْمَعُوا لِقَوْلِهِ’’. وفي الآية 24 يقول: ‘‘قَدْ كُنْتُمْ تَعْصُونَ ٱلرَّبَّ مُنْذُ يَوْمَ عَرَفْتُكُمْ’’. إذا كنتَ تعتقدُ أنَّ موسى أعطاهم صَفْعَةً لفظيَّةً هنا، فأنتَ مُحِقٌّ تمامًا، وهناك سببٌ وجيهٌ لذلك.
وتابعَ موسى في الأصحاح 10 وذكَّرَ الشَّعبَ بأنَّه عادَ إلى الجَبَل ليكتُبَ اللهُ له الوصايا العشَر من جديد على لوحَين من حجر، لأنَّ اللَّوحَين الأوَّلَين تكسَّرا. أحبُّ ما قاله موسى في الآية 5: ‘‘ثُمَّ ٱنْصَرَفْتُ وَنَزَلْتُ مِنَ ٱلْجَبَلِ وَوَضَعْتُ ٱللَّوْحَيْنِ فِي ٱلتَّابُوتِ ٱلَّذِي صَنَعْتُ، فَكَانَا هُنَاكَ كَمَا أَمَرَنِيَ ٱلرَّبُّ’’.
ماذا نتعلَّمُ هنا؟ اللهُ لم يتخلَّ عن شعبِه ولم يتخلَّصْ منهم. لكنَّ موسى أرادَ منهم أن يتعلَّموا أنَّهم لا يستحقُّون نعمةَ الله. وهذا صحيحٌ حتَّى يومِنا هذا. فالرسولُ بولس كتبَ إلى مؤمني العهدِ الجديد في رسالةِ تيطس الأصحاح 3 والآية 3: ‘‘لِأَنَّنَا كُنَّا نَحْنُ أَيْضًا قَبْلًا أَغْبِيَاءَ… وَلَكِنْ حِينَ ظَهَرَ لُطْفُ مُخَلِّصِنَا ٱللهِ وَإِحْسَانُهُ، لَا بِأَعْمَالٍ فِي بِرٍّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ… حَتَّى إِذَا تَبَرَّرْنَا بِنِعْمَتِهِ نَصِيرُ وَرَثَةً حَسَبَ رَجَاءِ ٱلْحَيَاةِ ٱلْأَبَدِيَّةِ’’.
يا صديقي، تاريخُكَ وتاريخي يُثبِتان مِرارًا وتَكرارًا أنَّنا لا ننالُ نعمةَ اللهِ عن استحقاق. فالنعمةُ هي عطيَّةُ اللهِ المجَّانيَّة لكلِّ مَن يؤمِنُ بالربِّ يسوعَ المسيح وحدَه. هل نلتَ عطيَّةَ غفرانِه بالنعمةِ وحدِها؟ إذا نِلْتَ نعمةَ الله، فسترغَبُ في طاعَةِ كَلِمةِ الله. وهذا هو الدرسُ العظيمُ الثاني الذي تمَّ التشديدُ عليه في الأصحاحَين 10 و11.
حياةُ الطاعة هي هديَّتُنا لله لقاءَ نعمتِهِ المجَّانيَّة. اسمَعْ ما قالَه موسى في سفرِ التثنية 10: 12-13: ‘‘مَاذَا يَطْلُبُ مِنْكَ ٱلرَّبُّ إِلَهُكَ إِلَّا أَنْ تَتَّقِيَ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ لِتَسْلُكَ فِي كُلِّ طُرُقِهِ، وَتُحِبَّهُ، وَتَعْبُدَ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَتَحْفَظَ وَصَايَا ٱلرَّبِّ وَفَرَائِضَهُ’’.
الأمرُ واضحٌ وضوحَ الشمس. نحن نبرهنُ عن محبَّتِنا لله من خلالِ طاعتِنا له. نحن نشكرُهُ على عطيَّتِه لنا من خلالِ طاعتِنا له.
كرَّرَ موسى هذا الدرسَ بطرقٍ مختلفة في الأصحاح 11. قال في الآية الأولى: ‘‘فَأَحْبِبِ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ وَٱحْفَظْ… وَصَايَاهُ كُلَّ ٱلْأَيَّامِ’’. ثمَّ ذكَّرَ موسى بَني إسرائيل كيف أخرجَهم اللهُ من أرض مِصر ورَعاهم بمحبَّتِهِ وعنايتِه.
في الآية 8، رَبَطَ موسى بين الأمور، وذكَّرَ الشعبَ بأنَّ عليهم أن يُطيعوا الله مقابلَ كلِّ إحسانِه إليهم. قال لهم: ‘‘فَٱحْفَظُوا كُلَّ ٱلْوَصَايَا ٱلَّتِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهَا ٱلْيَوْمَ’’.
كيف يمكنُ لبَني إسرائيل أن يتأكَّدوا من أنَّهم يطيعون الرب؟ وهل هناك إشاراتُ تحذير تُشيرُ إلى أنَّه سيتمُّ إخراجُكم إلى الرُّواق لمعاقبَتِكم؟ نعم بالطبع. لاحِظْ ما جاءَ في الآيتين 13-14: ‘‘فَإِذَا سَمِعْتُمْ لِوَصَايَايَ… لِتُحِبُّوا ٱلرَّبَّ إِلَهَكُمْ وَتَعْبُدُوهُ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ وَمِنْ كُلِّ أَنْفُسِكُمْ، أُعْطِي مَطَرَ أَرْضِكُمْ فِي حِينِهِ’’.
وماذا يحدثُ إذا ابتعدوا عن الرب؟ نجدُ الجوابَ في الآية 17: ‘‘فَيَحْمَى غَضَبُ ٱلرَّبِّ عَلَيْكُمْ، وَيُغْلِقُ ٱلسَّمَاءَ فَلَا يَكُونُ مَطَرٌ’’. هذا هو نظامُ الإنذارِ المُبكر لدى الله. وسوف نرى هذا يحدث أثناءَ رحلتِنا عبرَ العهدِ القديم. عندما تنقطعُ الأمطار، نعلمُ أنَّ بَني إسرائيل لم يُظهِروا محبَّتَهم للرب من خلالِ الطاعة، وأنَّ اللهَ يدعوهُم للتوبة.
في الآياتِ 18 إلى 25، كرَّرَ موسى التعليماتِ الواردة في الأصحاحِ السادس من سفرِ التثنية، ودعاهم للاجتهاد لحُفظِ وصايا الله. فالطاعَةُ تأتي بالمطر ليسقي محاصيلهم، وتمنَحُهم النُّصرةَ على أعدائهم.
ثمَّ في الآيات 26 إلى 32، أمَرَ الربُّ بَني إسرائيل بمراجعةِ وتجديدِ عَهدِهِم معه، مع كلِّ بركاتِ الطاعة ولَعَناتِ العصيان. يجب أن يتمَّ هذا التجديد في موقِعٍ محدَّد فورَ دُخولِهِم الأرض. سنرى هذا يحدث عندما نَصِلُ إلى الأصحاحِ الثامن من سفرِ يشوع.
لكنْ هل لهذا الأمرِ أيُّ تأثير على مؤمني العهدِ الجديدِ اليوم؟ بالتأكيد. فالعهدُ الجديدُ يوضِحُ أنَّ نعمةَ الله هي عطيَّةٌ لا يمكنُ اكتسابُها، ولا نَيلُها عن استحقاق. لذا تُسَمَّى نعمة. ويعلِّمُنا العهد الجديد أنَّ طاعتَنا للرب هي الدليلُ على أنَّنا نحبُّهُ حقًا، وعلى أنَّنا خاصَّتُه.
قبل ساعاتٍ قليلة من ذهابِ يسوعَ إلى الصليب، قالَ لتلاميذِهِ في إنجيلِ يوحنا 14: 15: ‘‘إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَٱحْفَظُوا وَصَايَايَ’’. وبالطبع، لن تكونَ محبَّتُنا وطاعتُنا له كاملة، فنحن نفشلُ كلَّ يوم. لكنْ سنسعى كلَّ يوم، وقبلَ أيِّ أمر، إلى أن نحبَّه ونطيعَه.
يا صديقي، الدرسُ الذي أعطاه هذا المعلِّم هو درسٌ حياتيٌّ مهمٌّ جدًّا. فيسوعُ أخَذَ عِقابَنا، وكلُّ ما يمكنُنا فعلُه هو الاستجابةُ باحترامٍ وعبادة ومحبَّة. فلنقرّرِ اليومَ أن نحبَّه ونُطيعَه.
نصلُ بهذا إلى ختامِ حَلْقةِ اليوم. إلى أن نلتقي في الحلقةِ المقبلة، نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ ٱللهِ، وَشَرِكَةُ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ، مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ.
Add a Comment