دروس من التاريخ

Scripture Reference: Deuteronomy 1–4

 

نصلُ اليومَ في رحلةِ الحكمة إلى سفرِ التثنية، وهو آخِرُ سفرٍ من الأسفارِ الخمسة التي كتبَها موسى. سفرُ التثنية يعني الشريعةَ الثانية أو تَكرارَ الشريعة، فالسِّفْرُ يكرِّرُ جزءًا كبيرًا من الشريعة الواردة في الأسفارِ السابقة. لكنَّ العُنوانَ العِبريَّ لهذا السِّفر هو “هذه هي الكلمات” أو “هذا هو الكلام”. ألَا تَجِدُ هذا العُنوانَ لافتًا؟ هذا هو الكلام. لكنْ هل يجبُ أن نُصغيَ إلى هذا الكلام؟ مَنِ الذي قالَ هذا الكلام؟ نعم، علينا أنتَ وأنا أن نستَمِعَ إلى هذا الكلام لأنَّ اللهَ هو الذي قالَه.

إذا كنتَ تعتقدُ أنَّ إلَهَ العهدِ القديم هو فقط إلهُ القداسة التي لا تلين والدينونةِ الصارِمة، فيجبُ أن تعرِفَ أنَّ كَلِمَةَ “محبَّة” وردَتْ أكثرَ من عشرينَ مرَّةً في سفرِ التثنية. أيضًا، فِكرَةُ الابتهاجِ لأنَّ اللهَ حنَّانٌ ورحيم، وردَتْ مِرارًا عدَّة في هذا السفر. إذًا، صحيح أنَّ سِفرَ التثنية يتحدَّثُ عن دينونةِ الله، لكنَّ الدَّافِعَ هو محبَّةُ الله، وشهوةُ قلبِه هي أن يُبارِكَ شَعبَه.

في بدايةِ رحلَتِنا عبر هذا السِّفرِ الرائع، نَرى أنَّ بني إسرائيل كانوا في البريَّة شرقي نَهرِ الأردن، ولم يَعبُروا الأردن للدخولِ إلى أرضِ الموعِد. الهدفُ في سِفرِ التثنية مُبَيَّنٌ بوضوح في الآية 5 من الأصحاحِ الأوَّل: “فِي عَبْرِ ٱلْأُرْدُنِّ، فِي أَرْضِ مُوآبَ، ٱبْتَدَأَ مُوسَى يَشْرَحُ هَذِهِ ٱلشَّرِيعَة”. سيُعَلِّمُ موسى شعبَ الله عن الإلَهِ الحقيقيِّ الحَيّ الذي أعطى كتابَ الشريعةِ هذا، وكيف يجبُ أن يسيروا معه.

في الآية 8، سَلَّمَ الربُّ بَني إسرائيل مُهِمَّتَهم: “اُنْظُرْ. قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكُمُ ٱلْأَرْضَ. ٱدْخُلُوا وَتَمَلَّكُوا ٱلْأَرْضَ ٱلَّتِي أَقْسَمَ ٱلرَّبُّ لِآبَائِكُمْ … وَلِنَسْلِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ”. كانت هذه المهمَّةُ في قَلْبِ الله منذ أن دعا إبراهيم في الأصحاح 12 من سفرِ التكوين. والآن، بعد مرور 600 سنة، ها هم بَنو إسرائيل واقفون على عتَبَةِ أرضِ الموعِد، والآن يدعوهم اللهُ إلى إكمالِ المُهِمَّة.

ابتداءً من الآية 9، أخبرَ موسى بَني إسرائيل عن ثلاثِ محَطَّاتٍ رئيسيَّة في السنواتِ الأربَعينَ الماضية، وهم يحتاجونَ إلى مَن يُذَكِّرُهم بها لإعادةِ تقويمِ قلوبِهِم ليواصِلوا المهمَّةَ التي أوكلَهم بها الله. درسُ التاريخِ الأوَّل مُسَجَّلٌ في الأصحاحِ الأوَّل في الآيات 9 إلى 18. يُذَكِّرُ موسى بَني إسرائيل أنَّهم عندما كانوا لا يزالون في جَبَلِ سيناء قبل أربَعين عامًا، عَمِلَ بنصيحةِ يَثْرُون، والِدِ زوجَتِهِ، واختارَ حُكماءَ ليكونوا قُضاةً للشعب. وكان موسى يعالجُ القضايا الصَّعبَة. ها هو موسى يكرِّرُ في الآية 14 أنَّ الشعبَ أجاب: “حَسَنٌ ٱلْأَمْرُ ٱلَّذِي تَكَلَّمْتَ بِهِ أَنْ يُعْمَلَ”. هذه لحظةٌ مهمَّة في هيكَلَةِ القِيادة.

واللحظةُ المِفصَليَّةُ الثانية، ذكَّرَهم موسى بها هنا في الآيات 19 إلى 36، وهي عن الجواسيسِ الاثنَي عَشَر الذينَ دخلوا للتجسُّسِ على أرضِ الموعِد. وبالطَّبع، رَفَضَ شَعبُ إسرائيل دخولَ الأرض، ونتيجَةَ التقريرِ السلبيّ الصادرِ عن أغلبيَّةِ الجواسيس، أدَّبَهم الله وجعلَهم يهيمون في البرية لمُدَّةِ أربَعينَ سنة. الهدفُ من التذكيرِ بهذا الحدث هو تشجيعُ الجيلِ الجديد من بَني إسرائيل على عدمِ الوقوعِ في التمرُّد الذي وقعَ فيه الجيلُ السابق.

أمَّا الحَدَثُ الرئيسيُّ الثالث، فنَجِدُهُ في الآية 37، حين أخبرَ موسى عن تمرُّدِهِ عندما ضَربَ الصخرةَ بدلًا من أن يكلّمَها كما أمَرَ الله. تقولُ الآية: “وَعَلَيَّ أَيْضًا غَضِبَ ٱلرَّبُّ … قَائِلًا: وَأَنْتَ أَيْضًا لَا تَدْخُلُ إِلَى هُنَاكَ”، أي إلى أرضِ الموعِد.

نتعلَّمُ من هذه الدروس حقيقةً واضحةً جدًّا، وهي أنَّه بالرُّغمِ من أنَّ القضاة، والأمَّة، وحتَّى موسى نفسَه، لم يُطيعوا اللهَ طاعةً كاملة، بالرُّغمِ من ذلكَ كلِّه، أدخلَهم اللهُ بنعمتِه إلى أرضِ الموعِد. وهذا لأنَّ اللهَ يَفي دائمًا بوعودِهِ.

في الأصحاحَين الثاني والثالث، يستمرُّ درسُ التاريخ حيث يتذكَّرُ موسى أحداثًا وقعت منذ فترةٍ قريبة، مثلَ رحلَتِهِم حول أدوم، وانتصاراتِهم في شرقِ الأردن. هذه الأحداثُ مليئةٌ بكلماتٍ مشجِّعة. اسمَع ما جاءَ في الأصحاحِ الثاني والآية 7: “اَلْآنَ أَرْبَعُونَ سَنَةً لِلرَّبِّ إِلَهِكَ مَعَكَ، لَمْ يَنْقُصْ عَنْكَ شَيْءٌ”. ثمَّ قالَ في الآية 25: “فِي هَذَا ٱلْيَوْمِ أَبْتَدِئُ أَجْعَلُ خَشْيَتَكَ وَخَوْفَكَ أَمَامَ وُجُوهِ ٱلشُّعُوبِ … ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ خَبَرَكَ يَرْتَعِدُونَ وَيَجْزَعُونَ أَمَامَكَ”.

الأصحاحُ الثالث مليءٌ بمزيدٍ من التشجيع. نقرأُ في الآيةِ الأولى: “خَرَجَ عُوجُ مَلِكُ بَاشَانَ لِلِقَائِنَا … فَقَالَ لِي ٱلرَّبُّ: لَا تَخَفْ مِنْهُ، لِأَنِّي قَدْ دَفَعْتُهُ إِلَى يَدِكَ”. ثم تقولُ الآية 21: “عَيْنَاكَ قَدْ أَبْصَرَتَا كُلَّ مَا فَعَلَ ٱلرَّبُّ إِلَهُكُمْ بِهَذَيْنِ ٱلْمَلِكَيْنِ. هَكَذَا يَفْعَلُ ٱلرَّبُّ بِجَمِيعِ ٱلْمَمَالِكِ ٱلَّتِي أَنْتَ عَابِرٌ إِلَيْهَا. لَا تَخَافُوا مِنْهُمْ، لِأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلَهَكُمْ هُوَ ٱلْمُحَارِبُ عَنْكُمْ”.

في ختامِ الأصحاحِ الثالث، يروي موسى للأمَّةِ شَهادتَهُ الشخصيَّة عندما توسَّلَ إلى الرب ليَسمحَ له بقيادةِ الأمَّةِ إلى أرضِ الموعد. لكنَّ الربَّ رفضَ طلبَه بسببِ تمرُّدِه، وأعطاهُ تعليماتٍ واضحة ليبدأَ بإعدادِ يشوع ليَحُلَّ مَحَلَّه. تعجبُني شفافيَّةُ موسى هنا. فهو لم يُخفِ فَشَلَه، ولم يُقَدِّم أعذارًا، ولم يغضبْ من الله. وعلى الرُّغمِ من أنَّهُ يُخبرُ الشعب عن أكبرِ خيبةِ أملٍ تعرَّضَ لها في حياتِه، لكنَّه يبيِّنَ أنَّه وبالرغم من أنَّه خذلَ الرب، فإنَّ الربَّ لم يَخذُلْه. هكذا أيضًا، لن يخذُلَ اللهُ بني إسرائيل، وإنَّما سَيَفي لهم بوعدِهِ وسيدخلونَ أرضَ الموعِد.

يسلِّطُ موسى الضوءَ على هذه الحقيقة طَوالَ الأصحاحِ الرابع، وهي أنَّه يمكنُنا الوثوقُ بالله! أوَّلاً، يمكنُنا أن نثقَ بأنَّ الله ثابتٌ في تأديبِه. في الآية الأولى دعا موسى الشعب إلى طاعةِ الله قائلًا: “ٱسْمَعِ ٱلْفَرَائِضَ وَٱلْأَحْكَامَ ٱلَّتِي أَنَا أُعَلِّمُكُمْ لِتَعْمَلُوهَا”. وفي الآية 9 يؤكِّدُ أنَّهُ يُمكنُ الوثوقُ بالله ليؤدِّبَهم على عِصيانِهم: “إِنَّمَا ٱحْتَرِزْ وَٱحفَظْ نَفْسَكَ جِدًّا، لِئَلَّا تَنْسَى ٱلْأُمُورَ ٱلَّتِي أَبْصَرَتْ عَيْنَاكَ”. ثمَّ يحذِّرُهم في الآية 15: “فَٱحْتَفِظُوا جِدًّا لِأَنْفُسِكُمْ”. ويواصلُ تحذيرَهُ لهم في الآيتين 16 و19. هذه كلُّها تحذيراتٌ من عبادةِ الوثن والتمرُّدِ على الله. إذًا، كان الربُّ حريصًا على أن يكون ثابتًا في تأديبِ أولادِه. ولديه الحِرصُ نفسُه معكَ ومعي اليوم.

ثانيًا، ثِقْ بأنَّ الربَّ يغفِرُ ويرحم. يا صديقي، فشلُكَ ليس مميتًا. يكفي أن تتوب لتستعيدَ الشَّرِكة، مثلما وَعَدَ موسى الشعبَ في الآية 31: “لِأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ إِلَهٌ رَحِيمٌ، لَا يَتْرُكُكَ وَلَا يُهْلِكُكَ، وَلَا يَنْسَى عَهْدَ آبَائِكَ ٱلَّذِي أَقْسَمَ لَهُمْ عَلَيْهِ”.

سأقولُ لكَ أمرًا: ثِقْ بأنَّ الربَّ لا يؤدِّبُ ويغفِرُ فحسب، لكنْ ثِقْ بأنَّه يعملُ بدافِعِ المحبَّة. كلُّ عملٍ يقومُ به، بما في ذلك تأديبُه، فتأديبُهُ مدفوعٌ بالمحبَّة لأنَّ اللهَ محبَّة. تقولُ رسالة يوحنا الأولى 4: 8: “ٱللهُ مَحَبَّة”. اللهُ محبَّة في جوهَرِه وطبيعتِه. اللهُ محبَّة في أعمالِه. ويقولُ إنجيلُ يوحنا 3: 16: “لِأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ ٱللهُ ٱلْعَالَمَ، حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ، لِكَيْ لَا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلْأَبَدِيَّةُ”.

إذًا، مع بدايةِ رحلتِنا عبرَ سفرِ التثنية، يمكنُنا أن نرى قلبَ اللهِ المُحِبّ، وصولًا إلى مخلِّصِ العالم، الذي أحبَّكَ وأسلَمَ نفسَهُ لأجلِك (غلاطية 2: 20).

نصلُ بهذا إلى ختامِ حَلْقةِ اليوم. إلى أن نلتقي في الحلقةِ المقبلة، نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ ٱللهِ، وَشَرِكَةُ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ، مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ.

Add a Comment

Our financial partners make it possible for us to produce these lessons. Your support makes a difference. CLICK HERE to give today.